10 يناير 2011

موسم الهجرة من القلوب


بالامس كان موعد ازاحة الستار عن المسرحية التى ترعاها و  تدعمها وتمولها الامم المتحدة وامريكا ودول الغرب  والتى يستمر عرضها لمدة خمسة ايام (9~13 /1 / 2011 ) والتى تحمل اسم " استفتاء انفصال جنوب السودان "  والتى تعرض فى جمهورية السودان العربية .
فى الوقت الذى جمعت فيه اوربا اشلائها المتشرزمة من شتات واختلاف العرق واللغة وتعدد الفكر وانظامة وفلسفة الحكم ، فى الوقت الذى وحدت فيها القارة العجوز اقتصاداتها تحت لواء عملة موحدة ، وتحولت كل المنتجات الاوربية تحمل شعار ( انتاج السوق الاوربية ) ، فى الوقت الذى اُبرمت اتفاقات التحالف والاتحاد السياسى والعسكرى  فى  اورُبا .. فى نقس الوقت يتم الان التصويت على انفصال  او تقسيم السودان





اغرب ما فى الامر ان التصويت على الانفصال يمر فى هدوء منقطع النظير  ، وكيف لا  ونحن نعيش حالة من الهذيان  وانعدام الوعى ، وتحكمنا المطامع  والاهواء الشخصية  الدنيئه ، يحكمنا القهر والذل والهوان حتى على انفسنا واقرب الاقرباء لنا ، وها نحن نرى انهيار اول اركان هذا الوطن .. وحكامنا لا يحركون ساكناً بل لعل بعضهم يدعم الانفصال تحت حُجة  الحرية فى تقرير المصير ، في حين ان هذا الامر سيكون مدعاه ان يكون نموذج قابل للتطبيق والنقل فى مناطق اخرى من بلدان عربية عدة .
وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش 
ولحكاية الانفصال فصول متعدده يختزنها التاريخ ، ولها دوافع واسباب كثيرة فى مجملها توحى بما نحن فيه من التسطُح وعدم الوعى  والمعرفة بقضايانا المصيرة ، فمنذ ان بسط  "محمد على الكبير"   حُكمهُ وسلطانهُ على مصر والسودان .. ودخل القلق والاضطراب الى نفوس الغرب الذى كان يري فى المنطقة العربية مناطق تعد من ملكايته الخاصة  بكل ثرواتها وكل ما ومن فيه حتى من البشر ، لهذا كان سعيهم الدؤوب والحثيث على اضعاف وتفتيت هذه الامبراطورية الجيدة والتى كانت تحكم بفكر منظم ووعى بمجريات الامور ، الا ان هذا لم يتحقق بالسهولة والبساطة التى يتخيلها البعض ، وظلت مصر والسودان تحت  تاج واحد وتحت سلطان مملكة موحدة طوال حكم اسرة محمد على ، والتى اعتراها كثيراً من الضعف والذبول  ووقعت تحت الاحتلال
 .. الا ان تاج مصر و السودان ظل على ما هو عليه فى حال القوة وما تلاها من ضعف ، الى ان قفز الضباط على حكم اخر ملوك اسرة محمد على فى مصر والسودان  الملك " فاروق الاول " فى انقلاب عسكرى سنة 1952 م  ، ومن هنا بدأت ملامح التفكك  والانفصال بين شطرىّ اقليم النيل ، وكانت للدبلوماسية البريطانية الامريكية دورها فى اتمام الصفقة مع الشاب الثورى الطموح " جمال عبدالناصر " والذى قبل بالانفصال عن اقليم السودان مقابل الجلاء البريطانى عن مصر  فى صفقة قذرة  غبية ..قبل ناصر فى غباء .. وتم لهم ما ارادو من غرس اول مؤشرات الفرقة والانفصال فى المنطقة .
أن مفاوضات الجلاء عن مصر كانت مهزلة بكل المقاييس، فقد دارت بين "أنطوني إيدن" رئيس الوزراء البريطاني. الداهية العجوز، والشاب جمال عبد الناصر الطموح، الذي لم يكن له أدنى خبرة في السياسة الدولية. واستطاع "إيدن" أن يخدع عبد الناصر بسهولة، عندما قال له: إن استقلال مصر والسودان معا أمرٌ سوف يطول، ولكنني أضمن لك استقلال مصر فقط في ظرف شهر واحد. و وافق جمال عبد الناصر على ذلك لأنه يعني أنه يستطيع أن يعلن جلاء القوات البريطانية عن مصر، ويكون هو صانع الجلاء. وراحت أجهزة الإعلام المصرية تهلل للجلاء، وتهلل لجمال عبد الناصر بطل الجلاء، وأخفت تماما الثمن الفادح الذي دفعته مصر ودفعه السودان من جراء هذه الاتفاقية.
هكذا تمت خدعة الجلاء والانفصال ببساطة ، وكأن التاريخ يعيد نفسه فقد صوت ابناء السودان على الانفصال بعد ان خطب إسماعيل الأزهري رئيس السودان فى ذلك العهد  في أهل السودان ـ وكان هذا الرجل من أشد المناصرين لاستمرار الوحدة ـ فقال: لقد رأيتم ماذا فعل هؤلاء الطغاة الصغار برئيسهم ( محمد نجيب ) فماذا تظنون أنهم فاعلون بنا وقد قبلوا عرض " ايدن" ؟. ثم سألهم: هل تقبلون بعد ما سمعتم على استمرار الوحدة، فأجابوا جميعا: لا ..  وكان التصويت على الانفصال بنفس السهولة التى نراها الان فى انفصال الجنوب

والسؤال الان ماذا يستفيد الغرب من هذا الانفصال الذى يدعمهُ ويهلل له ؟
يمكن ان نتعرف على ملامح وتفاصيل الاهداف الخفيه والمؤامرة الخبيثة  من خلال قراءة سريعه للاحداث  وما بدر او صدر من زعماء الانقسام ومؤيدى الفُرقة والانفصال تحت دعوه حرية الجنوب واخراجة من درجة "مواطنون درجة ثالثة " ليكون سيد قرارة ومواطنون من التصنيف الاول الممتاز .. مع عدم اهمال الجانب العقائدى المسيحي وما لهم من كثرة فى اقاليم الجنوب  بعد ان نشطت الحملات التبشيرية فى غفلة واهمال من المسلمين بين ابناء جنوب السودان ، ويبدو هذا بوضوح من خلال تصريحات " جون جرنج "  الذى كان يردد دائما عبارات عنصرية تحث على الانفصال  منها قوله :
" السودان هو بوابة الإسلام والعروبة إلى أفريقيا فلتكن مهمتنا الاحتفاظ بمفتاح هذا الباب حتى لا تقوم للإسلام والعروبة قائمة فى جنوب الصحراء الكبرى".
ولمن لا يعرف هذا الجرنج فهو المدعوم من الكنيسة والصهيونية الذى بدأ حركة التمرد عام 1955 ووصل إلى الحكم عام 2005 صرح فى أكثر من مناسبة أن هدفه هو حكم السودان بشماله وجنوبه فى اطار شيوعى علمانى كنسى فهل نتوقع أنه بحلول عام 2055 يكون جنوب مصر قد انفصل عن شمالها كما كان يردد "الزعيم" جارنج  : ان رأس الحربة المسيحية جنوب مصر؟
ربما ينكر علينا البعض هذه الحقائق ..، ولكن تلك هى الحقيقة وهذا ما حدث بالفعل 
خريطة تصورية لمصر والسودان فى المخطط الصهيونى الغربى
بعد الإحتلال البريطانى لمصر تم تعيين جوردون حاكما عاما على السودان باسم مصر ، وكان جوردون هذا منصراً يتبع الكنيسة فحاول تنصير أهل السودان الذين ثاروا ضده وقتلوه وقالت عنه ملكة بريطانيا : " لقد فقدنا واحدا من أشد المخلصين للمسيحية " .. !!
ولم تهدأ محاولات بريطانيا لتنصير السودان فاتجهت جنوبا حيث القبائل الوثنية فى خطوة لفصله عن الشمال والهدف الأكبر هو اجتثاث الإسلام من جذوره فى افريقيا ومنع انتشاره عبر السودان واتخاذ الجنوب السودانى رأس حربه فى هذه الحرب التى لا هوادة فيها وحينما أعلن نميرى عن تطبيق الشريعة الإسلامية ثار الإنفصاليون فى الجنوب بدعم دينى من الكنيسة ودعم سياسى من بريطانيا ودعم عسكرى من أمريكا وإسرائيل !!
وحينما تم لهم ما أرادوا وبدأ الجنوب أولى الخطوات على طريق الانفصال كان إثارة النعرات القومية لدى السودانيين فى دارفور وسوف يتبعها أقليم النوبة لإقامة دولة لهم فى منطقة الحدود المصرية السودانية !!
لقد قامت بريطانيا فى سبيل دعم الانفصال بتأسيس مراكز مسيحية على كافة مناطق التماس بين الإسلام والوثنية فى جنوب السودان وهو ما يعرف باسم "سياسة طرد الإسلام" من مناطق السودان غير المسلمة ومنع انتشاره بين الوثنيين وبدأت بعد ذلك مرحلة إنشاء ونشر المدارس الكاثوليكية والإرسالية والجاليات فى مختلف ربوع السودان بهدف تنصير السودانيين جمعيا وتغيير طابع المدن السودانية الإسلامية إلى الطابع المسيحى .
وبدأت فى شراء قطع الأراضى ذات المواقع المتميزة بأسعار مبالغ فيها لبناء الكنائس عليها بخلاف المدارس السابق ذكرها كما شرعت فى بناء أندية مسيحية تفوق بكثير جدا عدد السودانيين الذين تم تنصيرهم ولكنها الرغبة فى كسب أرضية مسيحية فى السودان حتى لو كان ذلك مظهرا فقط لا أكثر ولا أقل  ، وفى طريق مواز "وكما يحدث فى مصر"  بدأت الكنائس العشوائية تنتشر فى المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة وبدأت فى توزيع الكتب المسيحية بأسعار زهيدة للغاية وكذلك الكتب ذات المظهر الإسلامى ولكنها فى الحقيقة كتب تشكك فى العقيدة الإسلامية وتسب نبى الإسلام .. وساهم فى ذلك كله وجود مطابع سرية يديرها منصرون غربيون وكشف بعضها البوليس السودانى وأغلقها .
اذن كان وصول جارنج الى منصب نائب أول رئيس السودان ليس نتيجة كفاح وثورة ولكنه نتيجة خيانة ومخططات مؤسسات التنصير ومؤامرات تفتيت الدولة ووضع الحواجز لمنع انتشار الإسلام فى افريقيا وعما قريب سيصبح سلفا كير خليفة جارنج رئيسا للسودان سواء اتفاقا أو انقلابا أو انتخابا .. أو انسحابا وتغييبا للبشير .. وذلك بعد تدعيم وجوده فى الجنوب ثم فى الشمال وتغليب العنصر الجنوبى على الخرطوم وسيطرته على مراكز القيادة والسيطرة وصنع القرار فى العاصمة السودانية مدعوما بالغرب والكنيسة والصهيونية .
وبذلك يصبح السودان دولة مسيحية بعد أن يتم تغيير الدستور وتصبح مصر هى الدولة المسلمة الوحيدة من دول حوض النيل حيث يبدأ فصل جديد يستهدف الضغط عليها بقطع مياه النيل التى سيكون السماح بها مقابل تنفيذ املاءات الغرب والكنيسة والصهيونية ونتصور أن يكون ذلك بتوصيل مياه النيل إلى الصهاينة .        مقتطفات من مقال الاستاذ / محمود خليل - بتصرف 
بعد ايام قلائل سينتهى مهرجان التصويت  ، والذى توافينا الاخبار بالاقبال الشديد على مراكز التصويت  والتى تؤيد الانفصال ، ووسط هذا الزخم نرى ملامح السودان الجديد بعد الانقسام ، ولنا ان نتخيل ما سيؤل اليه الحال فى هذى البقاع الغالية ، وهى تنفصل عن العروبة والاسلام لترفع لواء النصرانية بعد ان كانت من ارض وبلاد الاسلام ، لن يغفر لنا التاريخ هذا الصمت وهذا الخزلان  وتلك الحالة من الهوان والنكران ، يتم التصويت وتجرى مراسم الانفصال ونحن نتابع الفعاليات الرياضية والفنية بكل اهتمام  .. ونهمل ضياع هذى البلد ولا نلقى لها بال ..، الله الله .. فى حكامنا .. الله الله فى صمتنا وذلنا وهواننا
فمصر الرياض وسودانها.. عيون الرياض وخلجانها
ولن نرتضي أن تقد القناة.. . ويبتر من مصر سودانها
وأهلوه منذ جرى ماؤه.. ... ..عشيرة مصر وجيرانها
الكلمات السابقة من قصيدة لامير الشعراء احمد شوقى ..، عبرت عن فداحة الجرم اذا فكرنا فى انفصال السودان عن مصر ..!
الا ان هذا حدث وانفصلت وقُدت القناة وبترت من مصر سودانها ، غير ان هذا لم يكن الفصل الختامى فى الرواية لان الرواية اكبر من هذا فهى رواية طويلة متعددة الفصول لعل هذا احد فصولها .
ومناسبة القصيدة تجرى فى سنة1924 عندما تعرض الزعيم المصرى " سعد زغلول"  لمحاولة اغتيال ونجى منها وكان وقتها على رأس الوزارة المصرية ، وقرر الذهاب الى انجلترا للتفاوض حول استقلال مصر واحقيتها فى قناة السويس والمحافظة على وحدة مصر والسودان ، وانفصلت مصر والسودان .. وها هو السودان ينفصل عن جنوبة  .. والبقية تأتى فى انفصالات اخرى
عندما كتب الروائى السودان "الطيب صالح " رواية " موسم الهجره الى الشمال " لم يكن يدور بخلدة ان تكون الهجرة التى يخشها ما هى الا مزحة اذا قُرنت بما يحدث الان ، انه الانفصال  ، رحل الطيب صالح .. وهى هى الهجرة بدأت بالفعل  .. الا انها ليست هجرة من الشمال وليست هجرة من الجنوب .. انها هجرة السودان    ...   ولكن من القلوب .


هناك تعليق واحد:

  1. لن يغفر لنا التاريخ هذا الصمت وهذا الخزلان وتلك الحالة من الهوان والنكران ، يتم التصويت وتجرى مراسم الانفصال ونحن نتابع الفعاليات الرياضية والفنية بكل اهتمام .. ونهمل ضياع هذى البلد ولا نلقى لها بال ..، الله الله .. فى حكامنا .. الله الله... فى صمتنا وذلنا وهواننا
    فمصر الرياض وسودانها.. عيون الرياض وخلجانها
    ولن نرتضي أن تقد القناة.. . ويبتر من مصر سودانها
    وأهلوه منذ جرى ماؤه.. ... ..عشيرة مصر وجيرانها
    ------------------------------------------------
    الا انها ليست هجرة من الشمال وليست هجرة من الجنوب .. انها هجرة السودان ... ولكن من القلوب
    ------------------------------------------------
    آلمتني اخي طارق,و لم يبقى مكان فيني للألم , فكل شبر في جسدي مليئ بالآلام و الاوجاع ,و الله أنني أعتصر ألما على سوداننا الغالي, يا الله كم أنبذ و أحتقر هاؤلاء الحكام الكسبة , العلماء المنافقين و المثقفين الأغبياء
    حسبي الله و نعم الوكيل
    ------------------------------------------------
    و لا ننسى ان هذه اول فصول مسرحية تقسيم المقسم و تجزأة المجزء و الدور قام على المغرب و الصحراء
    ------------------------------------------------
    و أخيرا اسمح لي ان اوافقك الراي , بخصوص الشعوب العربية , فهي معذورة , حيث أنه ليس لديها وقت لهذا الامر الجلل, فهي مشغولة , بالطعام و الشراب و مشغولة باخبار نانسي و هيفا

    ردحذف

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً