14 أغسطس 2010

زمن الاستبداد .. والاستعباد




منذ اكثر من قرن مضى ..تحديداً عام 1902 م وضع المفكر عبدالرحمن الكواكبى كتابهُ " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد "  تحت اسم مستعار " الرحالة ك "
الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات  المتناثرة التى كان يكتبها الكواكبى  فى حلب  وكان يعود اليها بالتعديل والحذف والاضافة ..، حتى جمعها  فى كتاب موقع بأسم مستعار  حتى ينجو من بطش وملاحقة اولى الامر  استخدم فيه حرف الــ(ك) ليكون بهذا الاسم " الرحاله ك "
ورغم هذا التخفى الا انه لم ينجوا  ... ومات مسموماً جراء ما اقترف من جريمة كبرى بتأليف  ووضع هذا الكتاب








لم اكتب هذا البوست معرفاً بالكتاب او الكاتب وهما اشهر من ان اٌعرف بهما  فى هذا المكان ، ولكنى مستعيناً  بما جاء بالكتاب اردت ان انظر عن قرب لهذى المُعضلة وهذا الداء الذى يسكن فى صميم اعماق هذا الوطن .. حتى غدى وبالاً وداءً عُضلاً  .. واستشرى حتى ملك علينا حياتنا وتحول الى وباء سريع الانتشار وقوى الاستقرار فى حياة الناس  الضعفاء والمغلوبين ..، وما اجد  لنا من خلاص ونحن نرزح تحت وطئة المستبدون 
لهذا عدت الى هذا الكتاب كى ارى ما ترسم من ملامح الاستبداد فى حياتنا ..، فوجدت ان الامر اصبح اكبر من اى وصف  .. وافدح من اى نعت ..، وكأنى بنا  ورغم مرور اكثر من قرن  على ظهور الكتاب  الا اننا نعيش تلك الايام الخوالى من دولة العثمانيون الذى كانوا يحكمون ايام الكواكبى
لم يتغير الامر كثيراً .. ربما اذداد الامر سواء ..  وربما تعاظمت الطامه و باتت اكثر من ذى قبل  ..، هذا ما جعلنى اتسأل ..هل نحن نعيش زمان الاستبداد بالمعنى والمفهوم الذى اشار اليه الكواكبى فى كتابة ..؟
ولكى نتمكن من الاجابة عن هذا السؤال يلزمنا ان نرى كيف صور ووصف الكواكبى  " الاستبداد  والمستبد "  كمعنى ومدلولات  ونطبق رؤيته على ما نعيش الان 
يقول الكواكبى :
المستبد في لحظة جلوسهُ على عرشهِ و وضع تاجهُ الموروث على رأسهِ  يرى نفسهُ  كان إنساناً.. فصار إلهاً  
غير ان المستبد فى زماننا هذا ربما نوعاً اخر اكثر بشاعه .. لانه ربما نسي او تناسى انه " انسان " فهو يرى فى نفسه نموذج ارقى واعلى من اى وصف او تصوير ..بل ربما يبحث عن رتبه اعلى  من رتبه الاله ..!
فهو "اى المستبد "  .. لايُسئل عما يفعل وهم يُسألون "
وهو " فرعون - ربكم الاعلىَ " ...  " لا ارى لكم من آله غيرى "
كلامهُ قُدسى " وحىٌ يوحى َ "  إلى اهل المعالى واصحاب الصولجان  ... اعلى من الدستور وفوق كل قانون   لانه هو القانون وهو المصدر الاول والاخير للتشريع .. وبيده تغيير وتبديل الدساتير بلا مُسألة او مراجعه
وهنا يجب ان انبهه الى شىء هام  ..، انى لم اقصد بلد بعينه ولا حاكم مستبد " بشخصة "  وانما هى كلمات على وجه التعميم ربما تراها وتصادفها فى كل بقاع بلاد الشرق وخصوصاً بلاد المسلمين .. وقد سبقنى الكواكبى الى هذا التنبيه قائلاً :
وأنا لا أقصد في مباحثي ظالماً بعينه ولا حكومةً وأمَّة مخصصة، وإنما أردتُ بيان طبائع الاستبداد وما يفعل، وتشخيص مصارع الاستعباد وما يقضيه ويمضيه على ذويه
العجيب فى الامر ان ما ذهب اليه الكواكبى فى مبحثهُ لم يطرىء عليه تغيير او تبديل ..  فالبلاد  على حالها  والمستبد كما هو مازال مستبداً ، وربما اكثر استبداداً  واستعبادً للخلائق ..، وافة الاستبداد انه  لا يكتفى بفرض لواء الطاعه  والسمع على الناس  فحسب .. بل يطال كافة نواحى حياتهم  سواء الاجتماعية والعلمية والفكرية .. وايضاً اعرافهم وعادتهم  ومعتقداتهم الدينيه .
وفى هذا ما فيه من تردى وتخلف وتراجع الامم ..، وفيه ما فيه من ذبول وتردى للذوق العام .. وفيه ما فيه من قتل روح الانتماء  والوطنيه  .. وفيه ما فيه من تراجع فى حياة الناس ومعيشتهم  ..فيه ما فيه من انهيار الاقتصاد وتفشى الرشوة والفساد .. فيه ما فيه  من انحسار اصحاب الحق واندثار الحقوق وتفشى الرزيله وتراجع اخلاق الناس 
الاستبداد جرثومة اذا اصابت بلد .. فهو وبلا شك داء لاخلاص منه الا بالخلاص من المستبد وحاشيته ... ويا لهُ من داء عُضال .. يهلك اهل العلم واهل الفكر ويفنى نخوة وصولة الشباب  ويذيب الكرامة ويقضى على الحياة العزيزة
لعل استبداد الحاكم شىء "مقبول " فى زمن الخسة وانهزام وموت الضمائر ..، فهو شىء طبيعى ومولود شرعى للظلم والقهر والفساد ..، الا ان الاستبداد يأخذ صور عدة وكما وصفها الكواكبى  وهى كثيرة  تبداء من استبداد الجهل بالعلم واستبداد الظلم على العدل واسبداد  القُبح على كل ما هو جميل فى حياتنا ....  وهكذا يظل الاستبداد يتفشى  ليعم كل شىء فى الحياة 
نحن نعيش ازمة الانسان  .. لاننا نعيش زمن من ابشع ازمان الاستبداد .. والاستعباد .. نعيش زمن  نتغنى فيه بالحرية و الحرية منا برىء .
نحن المُستبد علينا .. لا نملك من حياتنا شىء سوى الذل والقهر  ولا نملك من امرنا الا الخنوع والرضوخ  والانبطاح
....  و رمضان كريم 

يمكنك الحصول على نسخة من كتاب " طبائع الاستبداد " من هنا


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً