24 يونيو 2010

السيقان العارية - والمجتمع المشوهه




المكان .. شارع صفية زغلول " محطة الرمل - الاسكندرية "
الزمان .. الساعه الرابعة والنصف  " فى وضح النهار "..اول امس 
طقس شديد الحرارة  ربما تعدت الـ 40 درجة  ..   مع رطوبة عالية
 الواقعه  .. بمجرد هبوطنا الى الشارع الذى يقع مكتبنا به  بعد يوم عمل طويل .. نشاهد ما لم نعتاد رؤيته
ثلاث فتيات يمشين امامنا  على نفس الرصيف   , واحدة ترتدى الحجاب "المودرن "  والاخريات  لا يرتدين شىء تقريباً  !!
تنورة  قصيرة ( منى جيب او ربما  اقصر )  من الجينز الخفيف الفضفاض مع بلوزة  وجودها كالعدم بلون اصفر فاقع
....  سيقان عاريه  .. ربما طريقة مشى الفتاتان  المترنحة  بغنج ودِل تكشف اكثر  مما  لا يليق ان  يوصف







دهشة  ..  ثم صدمة  .. ليس لى انا ورفيقى  بل هذا ما كان مرسوم على وجوه الناس بالشارع بكل وضوح  ,  كل الماره من رجال ونساء  على اختلاف اعمارهم  ودراجتهم الاجتماعية  والثقافية .. شبان وشيبان
عندما وصلنا الى تقاطع شارع السلطان حسين .. وجدنا ان اتجاههن هو نفس اتجاهنا ... قال لى رفيقى تنحى بنا الى الرصيف الاخر لانى بصراحة خجلان لهن ( مكسوف لهم )  !
سيقان عاريه بهذى الاباحية وهذا الوصف ..  تعنى خدش للحياء العام
الواقعه نبهتنى  الى مفهوم الحياء فى المجتمع .. نبهتنى الى طبيعة مجتمعى الذى انكر المشهد على اختلاف طبقاتهم وثقافتهم وحتى اتجاهاتهم الفكرية..
الفتاتان واللتان يبدو حداثة اعمارهن  التى لم تتجاوز العشرين ..  لم يحظين بكلمات الاعجاب  , بل بالاستنكار فى عيون الجميع حتى من بنات جنسهم  " السافرات قبل المحجبات "  .. حتى من الشباب المراهقين !
حقيقة ربما هذه من المرات القليلة النادرة التى ارى فيها هذا الامر بالشارع العام  ..  ربما يكون هذا التصرف وهذا المظهر عادى ومعتاد فى النوادى " الراقيه " او فى مجتمعات من يطلق عليهم الصفوه .. , برغم ان الغالبية فى هذه الامكان يبدو على مظهرهم الاحتشام
مما جعلنى اتسأل  .. ما هى مقاييس الحياء ..وما هى معاير المجتمع المحافظ فى بلد مثل مصر ..؟
وكيف يكون القياس لسلوك المجتمع اخلاقياً وتحت عباءة العُرف ؟
مصر بلد محافظ يحكمه الحياء وانكار التعرى الجسدى والاخلاقى تحت اى مسمى .. , وكثيراً ممن لم يزور مصر يعتقد عكس هذا ويرى فى مصر صورة شوهاء ذميمة , ربما ساهم الاعلام المرئى  ( الافلام والمسلسلات ) فى ترسيخ هذا المفهوم ليس عن مصر وحدها بل  تضم القائمة سيئة السمعه لبنان وسورية و ...
لا انكر ان هناك خلل فى اخلاقيات وسلوكيات الناس  وربما تردى فى نواحى كثيرة بالمجتمع .. لا انكر تردى وتراجع كثيراً من مفاهيم واخلاقيات المجتمع المحافظ  ( لفظياً وسلوكياً )  ولا انكر ان هناك كثيرا من الصور الذميمة
ولكن فى نفس الوقت انكر وينكر المجتمع مثل هذه الصورة التى تصفعك بقوة  وتخدش حيائك وتصيبك بحالة من الغثيان  ...و ربما بالاشمئزاز ..
هذه الفوارق الاخلاقيه ..الفوارق السلوكية  تعبر عن مجتمع مشوهه .., وتدلل بوضوح عن خلل فى بنية وتركيبة المجتمع , ربما الناس تمارس الابتزال و التدنى السلوكى والاخلاقى فى الخفاء وبعيد عن عين الراصد .., وفى نفس الوقت تمارس الاخلاق الحميدة فى العلن " هذا فى غالبية المجتمعات " ان لم يكن الامر تعميماً ..,  لم اتحدث عن الامر من ناحيه دينية او شرعيه   انما من ناحية اخلاقيه او من ناحية ما يجرى كعُرف  والذى يعتبر امتدادا لاخلقيات دعت اليه الاديان.., وان لم يكن الامر مرفوض نفسياً لما كان هناك مكان لمرادفات مثل  الرزيلة والخلاعة والدعارة  فى قاموس المجتمع  .., ولولا وجود الاخلاق الحميدة والسلوكيات المعتدلة لما كان مكان لهذه الكلمات " باضدها تتبين الاشياء "
خلاصة القول ان رفض الشارع واستنكاره لهذا المشهد .. يدل على بقية من نقاء السريرة .. بقية من حياء
مجتمع يحمى الفضيلة لابد ان ينكر ويرفض هذا المشهد  " حتى بالصمت "  .. وان كانت الفضيلة فى حد ذاتها قاسية على النفس البشرية التى تصبو وتتوق الى الانفلات تحت مسمى " الحرية "  ولعل هذا ما قصدة حافظ ابراهيم حينما قال :
فيا نَفْسُ إنْ كنتِ لا تُوقِنِين بمَعْقُودِ أمْرِكِ فاسْتَيْقِني
فهذي الفَضيلة ُ سِجْنُ النُّفوس وأَنتِ الجَديَرة ُ أَنْ تُسْجَنِي
فلا تَسْأليني متى تَنْقَضي لَيالي الإسارِ ؟ ولا تَحْزَني
نسال الله ان يلزمنا سجن الفضيلة  ويقينا واياكم شرور النفس ..


.

هناك 4 تعليقات:

  1. لا أبدا، المدن المصرية كانت فيها أكثر من كدا بكثير زمان، و كان الناس بيعرفوا يمسكوا نفسهم. أنت بس ال كبرت في وقت زادت في المحافظة أكثر من المعتاد.

    التغير ال حدث هو نتيجة انتقال عادات و أخلاق الريف إلى المدينة. مش معنى كدا أني باقول أن الريف سيء، لكنه مجرد تسجيل لتغير حدث في المجتمع المصري.

    موضوع الاشمئزاز دا ممكن برضه واحد يوصف به منظر الستات المنقبات على الطريقة السعودية أو الإيرانية..و ساعتها أنت غالبا هتاخد موقف متحفظ..المسألة نسبية

    خلي بالك أن ال أنت بتوصفه دا لا يعبر اعن انحلال، لأن بلد زي لبنان ال أنا لسا جاي منها دالوقت مثلا فيها الستات يقدروا يلبسوا أي حاجة هم عاوزينها و يمشوا في الشارع و ال يستجري يتطاول عليهم بنظرة زايدة عن الحد أو كلمة بذيئة ينال تأنيب و تكدير و يمكن ردع بالضرب من الناس كلها، لأنهم فاهمين أن كل واحد يلبس ال عاوزه طالما لم يتعد على الآخرين. و "ماتقوليش هي كدا بتتعدى علي" :)

    في نفس الوقت إحساس الناس هناك بالمساحة العامة و الحفاظ عليها أكثر من عندنا بكثير. احنا بنفرض وصايتنا على الآخرين و ندّعي أننا أحسن منهم أخلاقيا، لكن الحقيقة أننا نفشل في الحفاظ على مساحة يقدروا الناس يتشاركوا فيها و يكون كل شخص مبسوط و في حاله.

    ردحذف
  2. مرحبا اخى الكريم
    اخى ربما انك اتفقت معى فيما قلت
    فانا لم اقل ان الناس عبرت عن استنكارها لفظاً او فعلاً ولكن وصفت تعبير الناس " بالصمت "
    وكان هناك سؤال هام عن مفهوم ومقاييس الحياء ..
    (مما جعلنى اتسأل .. ما هى مقاييس الحياء ..وما هى معاير المجتمع المحافظ فى بلد مثل مصر ..؟
    وكيف يكون القياس لسلوك المجتمع اخلاقياً وتحت عباءة العُرف ؟)

    اخيراً اخى الكريم .. انا لم اتهم المجتمع " بالمحافظة " ولم ابرئة من " الحرية - الانحلال "
    البوست تسجيل ملاحظة فى فترة زمنية " الان " وليس تأريخ لاخلاق وسلوك المجتمع سلباً او ايجاباً

    شاكر مروركم الكريم

    مودتى

    ردحذف
  3. من الرفض إلى الاعتياد إلى الرسوخ.. المراحل الثلاث المعتادة لأي سلوك في مجتمعنا..

    موقف الشارع في مقالك يقع في المرحلة الثانية بامتياز..

    ردحذف
  4. مرحباً قلم جاف

    اعتقد ان هذا تقريباً ما قصدت " المجتمع المشوهه "

    شاكر مروركم الكريم

    مودتى

    ردحذف

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً