18 يونيو 2010

زمان الفرد يا فرعون ولىّ



منذ ما يٌناهز الف عام  حل ابو الطيب المتنبى (303 - 54 هـ / 915 - 965 م ) بارض مصر .. والتى كانت تحت حكم كافور الاخشيد .., طامعاً راغباً بعد موجدة مع سيف الدولة الحمدانى حاكم " حلب "  , مدح كافور " ابو المسك " وهو يأمل ان يوليه  على احدِ الولايات  .. الا ان ظنه خاب بحاكم مصر ففر من مصر ولكنه حول المدح الى هجو   لكافور " الاسود المثقوب مشفرة "
مضى الزمان وتغير الاوان .. وطوى الزمان برداء النسيان كل حاكم ومحكوم  .. الا ان كلمات المتنبى بقيت خالدة تأبى الانتهاء او النسيان  .., كلمات المتنبى بقيت وثيقة تؤرخ  وتُوصف لحال مصر فى هذه الحقبة من التاريخ ..






كلمات المتنبى والذى عاش فى العصر العباسى ظلت تحمل رونق ووهج متجدد  ومُتكرر .. لا يخبو الا ويعود  وكأنها قدرٌ سرمدى أبدىّ على اهل مصر  لا يزول  ولا ينتهى .. كلمات قيلت منذ الف عام  الا انها تبدو كما لو كانت وليدة الامس القريب او اليوم
وانى لاعجب ان يظل هذا البلد مشمول بنفس الملامح والصفات بلا تغير طيلة هذى السنوات والقرون
مصر تحت حكم كافور بلد مشمول بحكم استبدادى ..شمولى .., لا قيمة فيه للمواطن .. يحكمه المنتفعون والافاقون  والمفسدون .. حاشية الحاكم تملك كل شىء وتتصرف فى حياة ومعاش واقدار الناس  ..  يسرقون ويرتشون وينهبون .. ولا قيمة للانسان ... حكم كافور غير ملامح مصر  وقمع اصحاب الفكر  واضطهد العلم والعلماء وتحولت دولة بلا ضوابط  دولة بلا قيم  او اخلاقيات  تحت إمرة السفلة  والاوغاد الذى جعلون كل شىء مباح لهم .. وتبجحوا  واكلوا حتى امتلاءت بطنوهم واصيبوا  بالتخمة  ولم يشبعوا  .. فى الوقت الذى ساء فيه حال المواطن ولم يجد قوت يومه .. وضاقت ارزاق العباد فى بلد خيراته سرمديه وفيرة
يقول ابى الطيب :
نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها" "وقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ
اى غفل حراس مصر عن خيرتها .. فتسللت الثعالب " فى اشارة الى لصوص البلد " الى حدائق وبساتين مصر ( خيرتها وثروتها ) .. واكلت الثعالب  حتى اُصيبت بالتخمة وامتلات بطونهم من خيرتها   ... ورغم كل السَرف و هذه السرقات والنهب والسلب   الا ان خيرات مصر  لم تنفذ ولم تنتهى
الامر العجيب  ان المشهد يتكرر  الان ..  وكأنى بأبى الطيب يصف حال مصر الان   وليس منذ الف عام !!
كم من الحُكام والمنتفعون مروا على تراب هذا البلد  .. ورغم كل هذا ما زالت مصر باقية , حتى وان ذاق الناس مرارات الجوع والاملاق  حتى وان اكلوا الحصرم  وتذوقوا مرارة القرطم  ..
كلمات ابى الطيب تؤكد ان مصر رواية ازلية تُعاد وتتكرر فصولها  مع كل حاكم  وفى كل عهد  حيث يتنعم  الحاكم والحاشية ويذوق الشعب ويلات الاملاق والجوع والذل  منذ  عصور ما قبل الاسرات مرورا بالتاريخ الفرعونى  , ..مروراً  باليونانيون  والبطالمة  ومن بعدهم الرومان والبيزنطينيين  والحكم الاسلامى  والاخشيديون والفاطميون والايوبيون والمماليك والعثمانيون ثم الفرنسيون وحكم اسرة محمد على والبريطانيون  وصولاً الى الحكم الجمهورى   ..... , عصور وعهود مذهلة قاسية مرت بها هذه البلد ..حتى انى ارى والمح فى ابيات المتنبى صورة اكثر قسوة وبشاعه اذا يقول :
أَكُلَّما اغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ" "أَو خانَهُ فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ
وكأنه يستقراء صفحات سوداء من تاريخ مصر السياسى .. خيانة وقتل واغتيالات ...!
وكأن قدر مصر الا يكون لها ارادة ومطلب او اختيار في من يحكمها ..  , كلهم قفزوا على الحكم بالمؤامرات والخيانة والكذب والتدليس والتزوير .. كل من حكم مصر تقمسته روح الفرعون الخالد الذى لا يزول ويظن ان حياتة ابدية وانه لن يموت .. حتى وان مات ترك وريث ليُذيق الناس الذل والاملاق .. , كأنى بأبى الطيب اراد ان يقول ان قدر مصر ان لا يحكمها الا كل خائن لها متوسماً فى نفسة الخلود والبقاء والديمومة

في 16 فبراير 1923 تم الكشف عن مقبرة الفرعون الصغير توت عنخ امون ( تولى حكم مصر وهو فى سن التاسعه ) ولانه كان صغير فقد حجز كرسى الحكم حتى يكبر وتولى ادارة شؤن مصر حاشية من الافاقين والمنتفعين من الكهنه " رجال الدين " ومن رجالات الدولة من السياسين .., المقبرة كانت ومازالت اكبر واعظم كشف اثرى فى التاريخ لما تحوى من النفائس والكنوز , التى ابهرت العالم بما تحوى
كلما امعنت التفكير وانا انظر الى المقنيات التى وجدت فى  المقبرة  والموجودة الان  بالمتحف المصرى بالقاهرة , يصيبنى الاعياء والقهر ..  فهذا نموذج لحاكم مصرى استولى على ثروات البلد حتى بعد موته .. وكنزها فى قبره طامعاً بالخلود  فى الوقت الذى كانت تعصف بمصر الدسائس والتقلبات التى عصفت بها وما زالت , فاى قهر بعد هذا القهر .. الحاكم يتنعم فى قبرة والشعب لا يجد قوت يومه ..
عندما اُعلن عن الكشف او الحدث العظيم بادر امير الشعراء احمد شوقى بنشر قصيدة  فى هذه المناسبة , والتى يستوقفنا فيها خطاب احمد شوقى الذى يوجهه الى الفرعون الصغير .., الذى خرج من ظلمات قبره بعد مرور قرون طويلة  ليزف له شوقى  الخبر " الكاذب "  او الامنية التى كان يأمل فى تحققها  , حيث يقول :

زمان الفرد يا فرعـــون ولَّى ودالت دولـــة المتجبرين
وأصبحت الرعاة بكل أرض على حكم الرعية نازلين
كم هى قويه كلمات شوقى .. التى يوجهها فى شخص توت عنخ امون  الى كل فراعنة  الزمان .. , اما آن  أن  نقول :
زمانُ الفرد يا فرعون ولىّ  ....
لك الله يا مصر.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً