23 يناير 2011

ثورة الصدفة ... حلم الضعفاء


" ان الثورة تولد من رحم الاحزان "
نزار قبانى..،

اكثر انواع الحُكم بشاعة واكثرها فظاعة واطولها بقاء على صدور الشعوب ، ليس حكم العسكر ولا الحكم الشمولى  القمعى وليس حكم الاستعمار  انه حكم " رغيف الخبز " .. حكم الجوع .
هذا هو الاسلوب والنهج الذى يتم حكم العالم الثالث به .. هو النمط المتبع فى الحكم بالبلاد العربية .. ، وهذا من منطلق ان الجياع لا يستطيعون الثورة لانهم مقموعون بالجوع  مقهورون بالحاجة ، ومن اهم ثمات وملامح حكم الجوع  ان يترافق مع الفساد .. وكلما اذداد الفساد كلما تمكن الحكام من كراسى السلطة ..  كلما ذاد الفساد وانتشر كلما كانت ديمومتهم على عروشهم اطول .
ما حدث فى تونس هو خروج عن المألوف ، وشذوذ عن قاعدة حكم الجوع والفساد ، لهذا يمكننا ان نسمى ثورة تونس " ثورة الصدفة "  ، التى انطلقت بالصدفة وانتشرت بالايحاء واخذت شكل الوباء المستشرى فى المجتمع ، ولان القاعدة تقول ان الجوعى  لا يثورون فأن ثورتهم  اذا ثاروا  لن تتوقف ، لسبب بسيط  وهو انهم لا يملكون ما يخافون عليه وليس لديهم ما يقلقون عليهِ ، الثورة التونسية اخذت ملامح ثورة الجياع  وان كانت تحمل وسم مختلف ومحرك اكثر غرابه



وقد قالها "زين العابدين بن على " بوضوح فى خطابهُ الاخير  مخاطباً شعبه  " انا فهمتكم " وكررها اكثر من مرة ، وكأنى به يقول لهم بلسان الحال .. لقد فهمت انى وصلت خط النهاية .. لهذا قرر  ان يرحل ، رحيله يدل على ذكاء الطاغية ويدل على انه استمع لنصيحة مخلصة من رجالاته ، لان الامر وصل بالفعل نقطة اللا عودة  ، فما من حاكم ينتهج اسلوب حكم القمع على بلدة  الا ويعلم ان ثورة الصامتون  اذا انطلقت لا تتوقف .. ومن يقف فى وجهها  لابد ان ينتهى امرهُ واذا وقف فى وجه الثورة لابد انه هالك
يمكننى ان اقول  بعد نجاح الثورة التونسية  ان " بن على "  رغم كل ما صنع فى الشعب التونسى من جرائم  الا انه  يُعد دكتاتور صغير ، اذا قارنهُ  بهؤلاء الاباطرة الجبارين والقابعين على صدور الشعوب ، فالرجل  رغم الاسابيع الاربع او تزيد من عمر الثورة  لم يستخدم سلطاته كدكتاتور  الا فى ابسط الحدود .. اذ  ان التقارير والاحصائيات لا توفينا الا  بعدد  قليل من القتلى .. وانى لأتخيل ان بعض حكامنا لو وضُعوا فى هذا الاختبار  لوجدنا ان عدد القتلى  تجاوز حدود الاحصاء  ولكانت المجازر افظع واكبر من الوصف ومن الكلام .
" بن على " يعتبر رحيم  بشعبة فى ميزان الدكتاتورية .. رؤوف بهم فى مضمار القمع والسحل .. ولا يواجد عنده مكان خلف الشمس يمكن ان يسع شعبة ..كما هو الحال عند الاخرين ،  والا لوكان عنده هذا المكان لوجدت الشعب التونسى ضيف فيه ، وهو دكتاتور جاهل  بعلم الدكتاتورية واصولها .. غبى فى ادارة شؤون الحكم الدكتاتورى الحقيقى  ورجالاته لم يكونوا  على قدر المسؤوليه الدكتاتورية الحقة .. والا لما نطق لسانٌ بكلمة  "لا" ..
 هناك بعض الشعوب  ترى رجالات  البوليس تسوم الناس العذاب  وتقتلهم على قارعة الطريق وعلى مرىء من الناس .. ولا يجروء  واحد منهم على الكلام او الدفاع عن المسحول  او الذود عنه  .. اعرف بعض الشعوب لا يمكنهم ذم الحاكم او انتقادهُ حتى فى خلجات النفس  .. اعرف بعض الشعوب  تملكهم الجوع والقهر والخوف والذل  .. فلا يستطيعون التفكير  ولا يقدرون على الهمس  ولا يجرؤون على الكلام  .. هل تعرفون شعب كهذا الشعب ..؟!
هذا الشعب تملكه الخوف والرعب حتى من نفسه لان الدكتاتور جعل منهم مخبرون متلصصون على بعضهم .. وكل تحركاتهم  وتصرفاتهم مرصودة  .. حتى تحول الوطن الى معتقل كبير  وسجن بمساحة الوطن ، ولان الحاكم يعرف قواعد حُكم الجوع .. اصبح هَمُ المواطن لقمة العيش  .. و رغيف الخبز  .. ولم يعد لديه  وقت للتفكير في غيره ، استطع ان يُطبق دولة البوليس كمان يجب ان تكون  لانه جعل من رجالات البوليس آلةٌ  كُلاً فى مكانه .. يُعبد  وهو الذى يرزقُ ويمسك الارزاق  عن العباد  وكذلك يقبض الارواح بلا رقيب
يتسأل البعض هل يمكن لمثل هذا الشعب ان يثور ؟
بالطبع لا .. فهذا الشعب اهون واضعف من ان يثور ، شعب محكوم بالجوع والخوف شعب تمرس  فى الدنية والذل والهوان   لا يستطيع ان يفكر مجرد التفكير فى الثورة ، لهذا  لا اعتبر ان ثورة تونس ثورة جياع  .. بل هى ثورة بالصدفة  .. انطلقت ولم تتوقف .. يمكننا التاكد من هذا بمراجعه سريعه لمشاهد الجماهير الثائرة  فى الشوارع التونسية  المنظمة والنظيفة  .. حتى مظهر الناس ينم على شىء من الحياة المنعمه ، يبدو هذا فى ملابسهم الانيقة النظيفة ، كما يمكننا اكتشاف  انها لم تكن ثورة جياع  اذا راجعنا بعض الارقام  الخاصة  باقتصاد تونس


بلغ الدخل الفرد السنوي للمواطن في تونس في نهاية عام 2009- 5319 ديناراً مقابل 2788 ديناراً عام 2000. كما حدّد منوال التنمية للعشرية 2007-2016 هدف مضاعفة الدخل الفردي للمواطن ليصل إلى حدود 8000 دينار عام 2016.[3]
بلغت القوة الشرائية في تونس 63 مليار دولار في عام 2005 قابلها4,600 دولار كمتوسط للدخل القومي للفرد في تلك السنة وهو رقم متوسط نسبيا إذا ما قورن بمعدل الدخل في الدول الخليجية وعال إذا قورن بمعدلات الدخل في باقي الدول العربية. إذ يعتبر دخل التونسي الأرفع مقارنة بالدول الغير نفطية في العالم العربي وأفريقيا. أرقام تلخص الاقتصاد التونسي:
12% نسبة البطالة حسب إحصاء قامت به مكاتب التشغيل.
6.5% نسبة نمو الاقتصاد التونسي وهي نسبة مرتفعة ومحترمة مقارنة بدول الخليج العربي.
2.8% نسبة السكان تحت خط الفقر (أقل من400دولار سنويا)
40% من العاملين في تونس يعملون في قطاع الخدمات و 34في قطاع الصناعة و26 بالمئة في قطاع الفلاحة حسب المخطط ال11 لالتنمية المصادق عليه من الرئيس نسبة البطالة ستنخفض إلى 10% وسيتم توسيع الطبقة الوسطى لتشمل 82 بالمئة من السكان وسيتم القضاء على الفقر سنة 2012
م : ويكبيديا

الارقام السابقة تُظهر بوضوح ان الثورة التونسية ابعد ما تكون  عن كونها " ثورة الجوع " .. اذا ما هى اسباب ثورة الشعب التونسى فى هذا التوقيت بالتحديد ؟
ثورة تونس ثورة حرية  ومحاولة للخروج من  الكبت  والضيق  ، انها ثورة على الفساد ..ثورة على الطغيان ، انها ثورة ولدت من رحم الاحزان كما قال نزار ، لا ننكر ان هناك سياسة اقتصادية داخلية مهترئة كانت فى تونس ولا ننكر ان قطاع ليس صغير من ابناء الشعب بدأ يجئر ويأن من غلاء الاسعار  الغير معقول للسلع الاساسية فى فترة وجيزة .. الا ان الاسعار لم تكن المحرك الاساسى لهذه الثورة  ، انما هو الفساد والظلم الواقع على الناس ..فيا تُرى ماذا تخبىء الايام لهذا الشعب الحر فى الايام التاليه بعد الثورة ؟
هنيئاً لتونس ثورتها التى اثارات غبطة وحسد شقيقاتها  .. هنيئاً لشعب تونس ثمار ثورته لنيل حريته المنقوصة  .. ونسأل الله لهم التوفيق فى النهوض من الكبوة التى احدثها الطاغية بن علىّ .. هنيئاً لهم هذا الجيش الذى لم يخضع ولم يطع الحاكم فى كبح جماح الناس
وكلنا امل ان نرى تونس تكرر  .. وتكون ثورتهم نموذج يسيير علي دربه ونهجه  ابناء الوطن العربى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً