30 ديسمبر 2010

فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا


ارتفع صوت الحاجب  :   " محكمه" .
هب الجميع وقوفاً .. وخفتت الاصوات ... حتى تلاشت تماماً .
هذا اعلان عن حضور  سيد الجلسة  ..
دخل القاضى وجلس فى مقعده .. القى نظرة سريعه على الحضور .. ثم فتح الملف الذى امامه  ليبداء عمله
فى الصف الثالث يجلس رجل فى العقد السادس .. يبدو علي محياهُ الوقار
اخرج الرجل بطاقته المدنية ليعطيها للمحام استعدداً لدورة للعرض امام القاضى بصفته مٌدعى  وليس مٌدعىً ، بينما  كان المحام يجلس  ورائه فى الصف التالى .. ، الا ان القاضى لمح تصرف الرجل ( الغير مهذب ) ..، واشارَ اليه فى غضب عارم .. موجهاً كلامه الى الامن :  ضعوهُ فى القفص .
هذا ما حدث .. امام ذهول واستغراب الحضور  .. والذى لم ينبث ايً منهم ببنت شفه



الرجل اصيب بالذهول والصدمة ، ولم تفلح نظراته  اوملامح وجهه المفزوع .. لم تشفع له سنى عمره  ولا مظهره المحترم وهندامه الذى يدل على شخص محترم  .. كل هذا لم يشفع له امام قرار   القاضى الذى راى فى تصرفه اهانه واستهانه واستخفاف بالمحكمه .
وبالفعل زُجَ  بالرجل ليقبع خلف القضبان فى ذُل وقهر واستسلام  بدون جريمة تستحق هذا الجزاء ، وبدون جريرة تستحق ان يتساوى مع المجرمين والمارقين على القانون .
وساد الصمت المكان فلا تسمع صوتً ولا تلمح حراك ، وكأنى بالحضور فى مشهد العرض العظيم  امام رب العزة  ولله المثل الاعلى .
تذكرت قول الحق جلَ وعلىَ "  وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا " ، قلت سبحان الله ،  رب العزة يصف المشهد امامه "فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا" .. وها هنا  واحد من خلق الله  من عبادة جعل الهمس ممنوع  والحركة فعلٌ مُجرم مُحرم ممنوع
 رجال القضاء او سدنة القضاء  وحراس العداله  هم وكلاء لله فى الارض يقومون  بإحقاق العدل  واقامة شريعة العادل سبحانه وتعالى ، و ما هم مخولون بها بين الناس هو فى الواقع ظلٌ لمشيئة الله وليس بطراً واستخفافاً  واهانة لخلق الله ، وانى لاعجب كيف لهذا القاضى ان يصور من نفسه الهٌ يأخذ من صفات الله ما ليس له بحق  ويطلب من البشر ان يتعاملوا مع شخصة وحضورة باجلال اكثر مما طلب الله جل وعلىَ  لنفسه من خلقه !
هم فى الحقيقة بشر  .. غير معصومين  ، بشر لهم من صفات البشر ما لغيرهم ، حياتهم موصومة بالسقطات والدنس والرزاىَ ، ولو تتبعت تاريخ احدهم لوجدت فيه كثيرا من الخزى والعار ، ووجدت عندهم ما يندى له جبين الشرفاء .
مهمتهم مهمة جليلة .. مهمة عظيمة الخطر .. وعلى قدر اهمية ما بين ايديهم من مصالح الناس .. على قدر ما هو مطلوب منهم وموكل اليهم من عظيم التبعه وجليل المسئولية  ودماسة الخُلق .. ، وما يطلب من  الناس من اخلاقيات  .. يطلب منهم اضعاف هذا القدر  من الاخلاق لان ما هم فيه من مكانه اولها لهم المجتمع  ومن مهمه اقامة الحق والعدل .. يتطلب ان يكون على قدر نهذه المكانه
 لا ننكر ان مهنة القضاء لابد ان يكون له خصوصية واجلال واحترام ،  وان يكون لهم فى النفوس الناس  من المهابة والتقدير ما يخول لهم القيام بمهامه  فى جو من الاحترام والتقدير ، وليس معنى هذا ان يكون سدنة القضاء من طبقة اخرى  او نوعاً اخر من البشر  ، هم يتساوون مع الناس فى طبيعتهم البشرية  فهم  يولدون ويكبرون بنفس النمط ونفس القوانين التى تحكم طبيعتهم البشرية ، يأكلون ويشربون ويتغوطون مثل الناس  لهم شهاواتهم ورغباتهم .. يحبون  ويتألمون  مثلهم ، و نفوسهم يسير عليها ما يسير من الالهام الالهى  على الناس "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَندَسَّاهَا "  ... هم بشر... نعم هم النهاية بشر .
هم بشر وان كنت ارى فى مثل هذا التصرف الذى قام به السيد القاضى ، انهم بشر  يأتون فى درجة متأخرة من درجات البشريه  بهذى الاخلاقيات  وهذا السلوك المشين ، درجة غلُبت عليه الوان من النقص ، و شوهتها ملامح الغلو والصلف والتعالىّ على عباد الله ، فبأى منطق وبأى حق يتصرف الرجل بهذا الشكل الذي يشين مهنة القضاء  و يشوهه وجه العدالة النقى المتمثل فى القضاء ، وهل هذا التصرف سيعلى قدرة ويرفع مكانته .. وهو لايفرق بين ما هو جائز وما هو ممنوع  او مكروه وغير مرغوب  فيه من تصرفات الناس امامه على اختلاف الوانهم و ثقافتهم وتربيتهم .
اى خلل واضطراب سيصيب ميزان العدالة  اذا كان ما يتولوا مناصب القضاء بهذه النفوس المريضة الشوهاء ، وهذى الطبيعه البشريه  المتدنيه ، وهذا المزاج  العبسى المتعالى المتكبر  وهذى النظرة الدونيه للناس وهذا الشعور البغيض الذى يطغى عليهم وكيف لنا ان نثق فى ما يصدرون من احكام وهم لا يستطيعون التحكم فى نفوسهم  ويغلب عليهم العصبية والاعجاب بالنفس واحساسهم انهم ارقى واعلى من البشر
إذا جـــار الـوزيــــر وكــاتـبــاه = وقاضي الأرض أجحف في القضــاء
فويــــلٌ  ثم ويــــلٌ  ثم ويــــلٌ    =  لقاضي الأرض من قاضي السمــاء
يا سادتنا القُضاه  .. رفقاً بأنفسكم  رفقاً بعباد الله فغداً يتحقق قول الحق فينا وفيكم  " وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ,مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ, بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ " .. غداً سيجمعُنا واياكم مقام لا احساب فيه ولا انساب ولا مناصب والقاب غداً سنمضى معنا
إلى ديان يوم الدين نمضي  =  وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في المعاد إذا التقينا  =  غداً عند المليك من الظلوم

نسأل الله العفو والعافيه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً