07 أبريل 2010

لُغةٌ... غَرِيبةٌ بينَ أبنائها...!



يشعر الناطق بلسان عربى بالغربة فى كل مكان .. وربما اكون مُنصفاً اذا قلت ان شعور الغربة نجده فى بُلداننا العربية قبل اى مكان اخر




يحدث معى هذا فى اى مكان اُيمم اليه وجهى زائراً او فى رحلة عمل ...
يتجسد هذا بقوة ووضوح للزائر للامارات العربية على سبيل المثال .. فبمجرد ان تطىء قدمك ارض الامارات ستشعر غربة لسانك ولغتك
فعندما زرت دبى لاول مرة وجدت انه لزاماً علىّ وانا فى المطار ان اترك لُغتى وهويتى اللغوية لاستعير لسان اخر ولغة اخرى
ولولا يقينى بسلامة حواسى ومداركى  لظننت ان الطائرة هبطت فى مطار اخر  غير دبى ..
بداية من موظفى الاستقبال وموظفى خدمات مكاتب شركات الطيران الى ابسط موظفى خدمات المطار .. بما فى ذلك من يعملون فى الكافتريات والاسواق   ... رغم انى لاحظت ايضاً  من البداية ان طاقم الاستضافة من مضيفين ومضيفات على متن طائرات " الامارتية " ايضاً لم يكن  منهم من يُلقى بالاً للغة العربية بما فى ذلك العربيات منهم ..
فقد كان طاقم الخدمة من جنسيات غربية بل كان من بينهم مُضيف من نيجيريا...! ولهذا قصة اخرى ليس مكانها هنا الان
يصدمك شعور الغربة اللغوية فى كل مكان بالمدينة الراقيه المرفهه فى الفنادق والمطاعم وحتى سائق الليموزين
ناهيك عن الوسطاء وموظفى الشركات التى ترتبط معها باعمال  .. وهنا اقصد شىء مهم  وهو اننا عندما نتوجه الى بلد غير عربى
نجد ان الشركات تسعى لاستقبالنا بمترجم يجيد اللغة العربية ( حتى وان كنت انت تجيد لغة هذا البلد ) وفى هذا فوائد جمة للطرفين
ومما يُصعب الامر اكثر  ان الموظفين العرب ايضاً يحرصون كل الحرص على محادثتك بغير العربية امعاناً فى اذلال لُغتنا
مما ذكرنى بكلمات نزار قبانى " لولا العباءات التى التفوا بها ما كنت احسب انهم اعراب "
وجدت هذا فى المملكة العربية السعودية وفى البحرين  ايضاً ..  ولكن بصورة اكثر قسوة , اذ ان محدثك فى الغالب من دول الجنوب الشرقى من آسيا  .. وعندما يحدثك يحدثك بلغة " هجينة " خليط من الانجليزية مع كلمات من لغته وكلمات عربية مُحورة بلسانة
تجد هذا جلى بوضوح فى عُمال المتاجر والاسواق والخدمات
ومما يثير الاستغراب اكثر .. ان ابناء البلد عندما يتحدثون مع موظفيهم او سائقيهم او .. , يحدثونهم بنفس اللغة او الطريقة "ان جاز ان نطلق عليها لغة" برغم ان الموظف فى الغالب يجب ان يجيد لغة البلد التى يعمل بها وليس العكس
وتلحظ هذا بوضوح فى المسلسلات الخليجية , عندما يتحدث المواطن العربى مع  السائق او الخادمة  يحدثهم بطريقتهم ولغتهم الهجينة
نفس الامر نراه بصورة اكثر قبحاً فى مصر فى التعامل مع اى اجنبى , الحرص على الحديث  بالانجليزية حتى وان كان الاجنبى يتكلم العربية
وقد اشتكى لى احد الهولنديين " يدرس اللغة العربية فى مصر " انه يجد صعوبة لاقناع المصريين احياناً  لمحادثتة باللغة العربية
وهذا لسبب بسيط او لكارثة اكبر  .. انهم لا يعرفون اللغة العربية وربما اجادتهم للانجليزية "رغم مستواها الردىء " افضل من اجادتهم للغتهم العربية  ...!
لى صديق يعمل بمركز مرموق فى المجال السياحى وهو يُجيد اربع لغات  .. , حدثنى عن سلبيات المصريين العاملين تحت ادارته فى تعاطيهم مع اللغة العربية بل وحرصهم على ابرازها فى اسوء صورة بل وايمانهم الراسخ بأنها  لغة عقيمة لا تلبى متطلبات  العصر
ويحكى لى حكايات  عديدة عن احتفائنا  وتفاخرنا بلغات غير لغُتنا الكلاسيكية على حد تعبيره
يقول لى ان احد  النزلاء الالمان  تلفظ بكلمات المانية دارجة " شعبية" لا يعرفها الا من عايشهم  , وعندما رد عليه بنفس الاسلوب واتضح للالمانى انه فهم كلماته بوضوح  استغرب كثيرا وقال له .. كم ان معجب باجادتك للغات اخرى غير لغتك بهذه الدرجة
مما يجربنى على احترام متذايد لك .. فأنت افضل منا كثيراً لانك تجيد لغتنا ولا نعرف لغتك ..
ولكن هل تجيد لغتك العربية بنفس الاجادة ؟
الحقيقة الحكاية تجبرنا على سؤال هام
لماذا لا يتكلم  الاخرون لغتنا سواء فى بلادنا او بلادهم ؟  حتى وان كانوا هم اصحاب المصلحة فى اللقاء والحوار
ولماذا نحن نقبل بكل سماحة او " ذل" الدَنيةُ للغتنا ..؟
اذكر حكاية كانت تتردد منذ سنوات  ان ممثل اليابان فى احد المؤتمرات فى بريطانيا (كان هذا قبل تطور ادوات الترجمة الحالية ) عندما  قام لالقاء كلمتهُ  كان يتكلم بلغته اليابانية  ويتولى المترجم ترجمتها الى الانجليزية , وبعد ان انهى كلمتة اكتشف الحضور انه يجيد الانجليزية بطلاقة واتقان
وعند سؤاله عن سبب استخدام مترجم  رغم اتقانة للانجليزية .. كان رده .. عندما اتكلم بلسان بلدى يتوجب علىّ ان اتكلم بلغتها .

هل اللغة العربية عقيمة .. وهل هى لغة مخزيه لهذه الدرجة حتى يُصيبنا العار والخزى اذا اسخدمناها
يبدو انى اطلت كثيراً .... لهذا اتوقف الان على وعد بالمتابعه فى تدوينة  قادمة بأذن الله

يُتبع


  • هذه التدونيه مُقدمة لسلسلة تدوينات عن اللغة العربية  وما آلت اليه من جحود ونكران ابنائها , سوف اطرحها تباعاً بأذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً