05 نوفمبر 2013

التسريبات .. بين الخدعة والتغيّيب



المتابع للمشهد المصري اليوم يجد نفسهُ يلهس وراء الاخبار والشائعات والتسريبات
الا اننا بعد كل خبر ندخل فى مرحلة التحليل وردود الافعال ، ثم مرحلة الرد بالنفي او التأكيد بالضحض او التفنيد
يحدث هذا بالتبعية مع ما يُطلق عليه تسريبات " اىً كان مصدرها " او من سربها او نشرها او روج لها
الا انهُ من البديهي انها لم تكن عملاً عبثياً او مزحة صبيانية الهدف منها التسلية او اشاعة نوع من البهجة والسرور فى نفوس المتلقيّين
قامت شبكة رصد فى الفترة الاخيرة بنشر مجموعة من اشرطة الفيديو والتى تم تصويرها من داخل احدي قاعت المؤسسة العسكرية للفريق السيسي بين مجموعة من ضباط القوات المسلحة ، الملفت ان التصوير كان بكاميرا عالية الدقة و انهالم تكن مخفيه بل من المؤكد ان التصوير كان مقصوداً ولهدف محدد سواء كان توثيق للاجتماع او اجراء عادي يتم فى هذه الاجتماعات .


وان صور البعض هذه المشاهد على انها تسريبات ووجد فيها ادانة للسيسي ، الا ان الواقع ربما يكون عكس هذا ، حتى وان بدى الامر لمن نشرها " شبكة رصد " على انها سبق وتسريب يصب فى المكان الصحيح ، الا انها تركت اصداء كثيرة و صنعت مجال يخدم من سربها لا من نشرها ، فهي اعطت رسالة واضحة على الروح التى تشمل رجالات العسكر ومدي وعمق العلاقة من قائدهم وصور هذه الروح الودودة بين القائد  ورجاله ، كما انها حملت رسائل ضمنية عن منهج وفكر القائد ونظرته لشؤون البلد مع الوضع فى الحسبان ان الجلسة كانت فى فترة سابقة للانقلاب بشهور ، لهذا الرسالة وصلت المُتلقي وثبتت فى وجدانه بحيث لو تم تنفيذ ما جاء بها لن يكون صدمة للمواطن البسيط " مؤيد او معارض "
ثم دخلنا بعد هذا فيما عرف اعلامياً " بتسريبات جريدة المصري اليوم " وهى عبارة عن مقاطع صوتية لحوار بين الفريق السيسي  و رئيس تحرير الجريدة  وهو الحوار الذى تم نشرة على حلقات بالصحيفة بعد   تفريغة واعادة صياغتة وتنقيحة كما يحدث فى الغالب مع مثل هذه اللقاءات ، الا ان ما نشر من تسجيلات مجتزئة من الحوار هو فى الغالب نقاش على هامش الحوار الصحفي او دردشة جانبية اثناء حوار الصحفي مع الفريق السيسي .
خلاصة التسريب كانت تقول ان السيسي يطلب التحصين ويبرز بما لا يدع مجال للشك عن رغبتة فى الترشح لمنصب الرئيس !
بالطبع قامت الدنيا ولم تقعد ما بين مفند ومندد ، ما بين رافض ومؤيد ، ودخلنا فى دوامة التصريحات والتحليلات ، ثم مرحلة الحرب الكلامية  والضجة الاعلامية وحيال كل هذا لم نجد ما يستحق ذكره من ردة فعل الفريق او المؤسسة العسكرية حيال هذا !!
الخلاصة ان التسريب لم يخبرنا بسر لا يعرفة احد  بل هي حقيقة يعلمها القاصي والداني ، حقيق مفادها ان السيسي سيكون الرئيس القادم للبلاد ، وعلى هذا انبري الاعلام فى تثبيت هذه الفكرة  وظهرات جماعات تدعوي لهذا جهاراً نهاراً ووجدت من يتلقي الدعوة بترحاب وتأييد ، اذا الامر ليس تسريب قصري بل تسريب متعمد ولهدف محدد .. وقد تحقق .


لم يخمد وطيس المعركة ..إلا ونجد صحيفة الوطن تعلن على لسان الاستاذ مجدي الجلاد عن مغامرة من مغامرات جيمس بوند  قام خلالها باختراق الجدار الحديدي ليتسلل خلف الاسوار ويجتاز الحراس والامن المخابراتي  ليصل الى الرئيس مرسي  ويقوم بتسجيل حوار له مع اخرين ، ليعلن عن تسريبات من داخل محبس مرسي  المحصن ، وبالفعل نشر حتى الان ثلاث تسريبات مجتزئة من الحوار والذى صُور بكاميرا مخفية  يتضح من خلال المتابعة ان مرسي لم يكن يعلم بوجودها ، التسريب تضمن كلام لمرسي او مشاركتهُ فى حوار مع ( مجهولين ) تم حذف اصواتهم او صورهم من الحوار  وقد بررت الموقع هذا برسالة واضحة فى بداية المقاطع تخبرنا ان هذا  حرصاً عليهم او كما ادعت انه اجراء وقائي ومن دواعي " الامن القومي" ، وكأنهم ارادو ان يقول لنا انهم شوهوا المشاهد والصوت حرصاً على من كان مع مرسي ولنصدق اى شىء بعدها بدون ابداء ملاحظات او انكار لطريقة المونتاج او التشكيك فيها ، المدهش فى التسريب انه يعزز موقف  الرئيس مرسي وهو حتى الان  " حتى التسريب الثالث " يصب فى مصلحة مرسي بل وعلى العكس يقوي من موقفة ويظهره فى صورة البطل الصامد والشامخ .. !
وهذا ما لا يقبلة عقل او منطق ، ان تقوم صحيفة الوطن  او كما يُطلق عليها مُناصري الشرعية " صحيفة الوثن " بتسريب هذه المقاطع او هذا الحوار وخاصة فى هذا التوقيت (قبل جلسة محاكمة مرسي بايام ) .. وهى المعروفة بموقفها من مرسي المعادى حتى انها حصلت على اكثر الصحف كذباً وتلفيقاً فى مصر من واقع موقع مراقبة الشفافية الصحفية ، والاغرب من هذا انها تستمر فى نشر التسريب على حلقات يومية تقريباً  ولم نجد اى ردة فعل من المخابرات العسكرية او اجهزة الامن ، سواء بالتعليق او الرد او بالمنع من الاسترسال فى نشر التسريبات ، وكلنا يعلم ما تقوم به اجهزة الدولة من القمع والمنع للراىء الاخر وبكل الوسائل وعلى كافة الاصعدة وبسبب وبدون سبب بصورة لم تشهدها مصر من قبل .
والسؤال هنا .. هل المخابرات او اجهزة الدولة لم تسمع عن التسريبات ؟   ام انها لا تعنيها ؟!!
بالطبع لا .. اذاً  ما الذي يُراد من وراء هذه التسريبات ؟
ربما جاء الرد بتسريب اخر ولكن بطريقة مختلفة واسلوب مبتكر
كان التسريب على لسان الرئيس مرسي  والذى اسرَ به لفريق الدفاع الذى اختلي به فى الجلسة الاولي لمحاكمتهُ ، حيث اشيع ان مرسي قال لهم ان هناك اتصال حصل بينه وبين قيادات بالجيش قد عرضت عليه مبادارة للخروج من الازمة الراهنة  تضمن له العودة لمنصبة  مع الاعتزار له عما حدث وسيكون هذا فى القريب ، هذا ما اكدة مؤسس موقع رصد من خلال حسابة على الفيس بوك مؤكداً صحة الاجتماع والمبادرة التى اطلق عليها " مبادرة التوبة "
وهنا نجد ان المخابرات استعملت مرسي ليُسرب لهم ما يودون تسريبة او ليقولون على لسانة ما يريدون ان يقولوه للشعب بطريقة غير مباشرة
وهنا نجد انفسنا امام سؤال جديد ...  هل بالفعل جنرالات الجيش نادمون ويريدون التوبة و اعادة الامور الى ما كانت عليه قبل الانقلاب ؟
ونعود  مرة اخري لنقول  .. بالطبع لا
لانهم لو ارادوا هذا ما كانوا فى حاجة لعرض مبادرتهم على الرئيس فى محبسة ، والسناريوا الصحيح ان يقوموا بما اعتزموا القيام به فى سرية وبدون مخاطره ان تنكشف خطتهم او يفشى سرهم ( كما حدث ) لانهم بالتاكيد سنالوا جزاء خيانتهم لقائدهم وفى محكمة عسكرية توجب اعدامهم وفقاً للقانون العسكري
اذاً الامر ابعد ما يكون عن هذا ، والتفسير المقبول هنا  هو (( الخدعة ))
مرسي فى هذا المشهد  لعب دور الصحابي " ابو موسي الاشعري "  الذى خدعة عمرو ابن العاص فى حادثة تاريخية عرفت بـ" التحكيم " او  " خدعة الخاتم "  عندما اتفق مع عمرو بن العاص على ان يخلع ابو موسي صاحبة " الامام على بن ابى طالب " ويفعل مثلة عمرو بن العاص " بخلع صاحبة " معاوية بن ابو سفيان "  الا انه وبكل مكر ودهاء وخداع  انطلي على ابوموسي الاشعري ، ان قال فى الجمع ( لقد خلعت صاحبي كخاتمي هذا " وقم بخلع خاتمة " عندها قام عمرو بن العاص  قائلاً وان ثبت صاحبي كختامي هذا "  ليبدوا المشهد للحضور بأن هذا ما اتفقا عليه كحكمين فى الامر
اذا نحن امام هذه التسريبات حيال " خدعة كبري " وعلى ما يبدوا قد انطلت على فريق ومناصري مرسي ، وتوهموا ان جنرالات العسكر " قد صحت ضمائرهم وعادت اليهم وطنيتهم "
ثم ماذا بعد .؟؟
من خلال هذا سيتم اشاعة شعور لدي الناس ان المؤسسة العسكرية  يشوبها كثيراً من القلاقل والاضطرابات , وان هناك راي مضاد لقادة العسكر داخل المؤسسة العسكرية ، مما سيكون له ظلال على حالة الشارع والناس
وفي هذا فوائد جمة للعسكر ، اولها تحسين صورة الجيش لدى مناصري الشرعية وعودة الثقة فى المؤسسة العسكرية على اعتبار ان هناك شرفاء ما زالوا على عقيدتهم العسكرية السوية  ، وان الحكم على عموم الجيش بالتبعية والانحايز لفريق دون اخر امر غير صحيح مما يعيد للجيش هذه الثقة فى نفوس المصررين
ومن الفوائد ايضاً ربما يكون خطوة قوية لتنفيذ " الخدعة الكبري " التى تبيح وتتيح لهم الصاق تهمة الخاينة بالرئيس مرسي بعدما عجزوا ان يجدوا له تهمة مقبولة وبادله حقيقة طيلة اربعة اشهر ، لهذا جعلوا مرسي ينخدع ويصدق ان ضباط بالجيش انحازوا له ،
عندها تعلن القيادة انها تمكنت من احباط محاولة لقلب النظام واحداث اضطرابات وبلبلة , ويتم القبض على اعضاء  الخلية الخائنة  لمحاكمتهم بتهمة الخاينة العظمى  وعلى رائسهم " مرسي "  والجزاء فى هذه الحالة هو الاعدام
هذا السناريو هو الاقرب خاصة اننا لم نجد اى ردة فعل من المؤسسة العسكرية او المؤسسة الحاكمة  حتى الان حيال هذه التسريبات الخادعة والخطيرة  .. مما سينتج عنه مرحلة التغيب  للناس ليتم السناريو كما هو مخطط له
الشواهد حتى الان تثير نوع من القلق حيال المرحلة الراهنة ، الا اننا ما زلنا فى مقعد المتفرج  والذى ترك له المخرج مساحة ليسبح في خيالة ما بين اليأس والرجاء ... حتى يصل الي مشهد النهاية كما اراد وكما خطط له المخرج لا كما توهم او تمني  المشاهد .


التسريب الاول لجريدة الوطن






. Photobucket

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً