04 فبراير 2011

صدمة الحرية


إذا هَـبَّتْ رياحُك فاغتنمْها  فإنّ لكل خافقـةٍ سكونُ
ولا تزهَدْ عن الإحسان فيها  فما تدري السكونُ متى يكونُ
وإن دَرَّتْ نياقك فاحتلبها فما تدري الفصيل لمن يكون

تتابع وسرعة الاحداث فى مصر اوقفت ملكة التفكير والغت موهبة وفضيلة التأمل والتدبر ، حتى انى لم اجد مساحة من الوقت لاقف فيها كى اعبر  فيها عن رأى او اعلق على رأى اخر ..  وصرت كلى اذان وعيون  تتابع  ولا تلاحق سرعة الحدث .. حتى ان الكثيرين من الكتاب والصحفيين وحتى الصفوة من المفكرين بدت افكارهم مشوشة وتصريحاتهم متناقضة غير متزنة فى كثيرا من الاوقات



لا شك ان يوم 25 يناير يوم فاصل فى تاريخ مصر  السياسى والاجتماعى  وربما الفكرى ، وثورة شباب مصر تخطت حدود الزمان والمكان  وغطت على كل شىء دونها وبات من المؤكد انها ستكون نموذج يُدرس ويتم تحليله للخروج بمعنى وفكر جديد غير مسبوق ، حتى ما سيتبعها من انتفاضات وثورات اخرى فى المنطقة  او العالم ستجعل من تفاصيل واحداث الثورة المصرية خارطة تسير عليها  وعلى نهجاها  وخارطة تجنبهم الوقوع فى اخطائها او ما اعتراها من تدخلت جعلت كثيراً من وقائعها فى بند السلبيات  الغير محمودة .
النظام فى مصر سقط بالفعل .. ففى هذا الوقت الذى اكتب فيه كلماتى والذى مازال شباب مصر  معتصمون ببسالة ورجولة فى ميدان التحرير يطالبون بالمذيد والمذيد من الحرية  ، ويطلبون رحيل  مبارك  كشخص ورمز لزمن لا يمكن ان ينسى وحقبة من  الفساد والاذلال والانتهاك لكل حقوق الانسان .. حقبة من الظلم  والقهر والعسف والجور .. ربما لم تمر بها مصر من قبل .. وعلى امتداد فترة حكم مبارك الطويلة جداً والقاسية جداً جداً  .. من انفراد بالسلطة  وتفرد بالقرار فى ظل حكومة الحزب الواحد  ومن قمع وطحن  وارهاق وسحق لكل صوت ولكل رأى  ولكل محاولة للاصلاح .. ،  سقطت دولة الظلم وبادت  ..وذهب زمان رجالات البوليس وامن الدولة  اولائك الذى كانوا سدنة الظالم وحراس مؤسسة القمع التى كانت تسمى حكومة ونظام  .. سقطت بلا رجعه  ..، ولعل السبب الرئيسى فى نجاح الثورة الشبابية هو هزيمة الجهاز الامنى وسقوطة امام جحافل الثائرين .
نعم بسقوط الجهاز الامنى  سقط النظام  ولا نحاول ان نجد تفسيرات او تبريرات مهما تنوعت وتعددت لهذا السقوط العظيم وهذا الانهيار التام الذى ادى الى انهيار وتحلل رموز السلطة ونظامهم البوليس القمعى الذى سيطر واستبد وتجبر طيلة  الفترة السابقة ، وانكشفت دولة الظلم امام الجميع وظهرت واهنه ضعيفة امام الجميع ، وانفض من فيها ومن حولها من الافاقين المنتفعين  واللصوص , كُلاً يحاول ان ينجوا بما سلب ويتوارى من المشهد  بما نهب  , ولم يبقى فى المشهد امام الناس الا  شخص الحاكم ( مبارك )  .. والذى بدى مهزوز وربما  مزعور امام  هذا الانهيار والسقوط المروع لمؤسسة  ونظام الحكم  , وانى لاستغرب كثيراً موقف الرجل وثباته امام جموع الشعب  الذى خرج يطالب برحيلهُ , بلا هوادة او تسامح  لا يستحقهُ ، وصدقونى  وانا واحد من هذا الشعب الذى اوذى  واضير من هذا النظام  الفاسد كثيراً   .. صدقونى  اذا قلت انى اكبرت الرجل ورأيت فى موقفة نوع من النُبل الوطنى , اعرف ان كلامى لن يروق او يعجب الكثيرين  , الا انى ساحاول  ان افسر نظرتى للامور  .. قد  اصيب  وقد اخطأ 


امام الواقفبن فى ميدان التحرير الان عدة سيناريوهات كى يختاروا منها واحداً  , وهى المتاحة الان على المشهد السياسى المصرى وعلى الحدث العالمى  للثورة الشبابية فى مصر ,  انى كنت واحداً من الواقفين بالشارع  والمعتصمين بقوة الناس ونبض الثورة العظيم ..، وقد انسحبت من الشارع عندما وجدت التطاحن والتصارع بين الناس  عندما وجدت المصرى فى وجه المصرى  فى مشهد يدمى القلب ويضع غمامة من الحزن العميق والاسى على وجه مصر .. وعلى وجه الثورة الرائعه التى كنا نهتف فيها سلميه.. سلميه  امام قوى الامن .. واذا بنا نحولها لمشهد مختلف  عندما دخل فى الامر مندثون يحاولون ان يشوهوا وجه الثورة النقى والنظيف  والمشرف لمصر , انسحبت لاننى وجدت نفسى لا استطيع ان اقف هناك فى هذا الصخب والضجيج  الذى سرق منا لحظة رائعه من تاريخ مصر الان , لهذا وجدت انى ربما اكون هنا بعيد عن الشارع جسدياً الا انى اُادى واجبى بطريقة اخرى  ,اشد على ايديكم اخوانى واقول انها رياح التغيير والحرية .., ريح قوية تلك التى تمكنا من اثارتها ولهذا وجب علينا ان نغتنمها بكل ما  اوتينا من قوة ونحن قد عرفنا الطريق جيداً الان وعرفنا ان انكسرنا وخنوعنا وهزيمتنا كانت من الخوف وبحمد لله قد تغلبنا عليه وقتلناه داخلنا ولن يعود  .. لن يعود , فليكون يوم ثورتنا هو الحد الفاصل بين ماضينا المظلم ومستقبلنا  المشرق  .. مستقبل مصر
من واقع الاحداث الاخيرة تبين لى امر مهم , هو ان الثورة الشبابية كما يحلو لنا ان نسميها الان ، ثورة صادقة مشروعه ، ثورة قوية رغم بساطتها المذهله  وهذا ما اعطها تلك الروح القوية وهذا البريق الاخاذ , ثورة لم تحمل فكر ثورى  ولم تتقلد شعارات جوفاء , بل حملت الصدق والعفويه فى كل ما تنطق به , ومن واقع تجربتى وجدت ان الثوار كانوا يجمعون من بعضهم بتلقائية وعفويه الشعار الذى يرفعونة او الكلمات التى يرددونها , كان الواحد منها يجمع الكلمات والافكار ويصوغها  ويردد الجميع معه كلماته بقوة وحب  يهز الارجاء , نعم الثورة لم تكن وليدة فكر .. بل وليدة قهر , الثورة بلا قيادة لانها ثورة الاحاسيس ونبض صادق توحد عند الجميع حتى وان كا هناك من يشير الى بعض الشخصيات التى رسمت ملامح تحركهم وعملهم  مثل العقيد عمر عفيفى  المقيم فى امريكا  الان والذى كان يستخدم نفس ادوات الشباب مثل الفيس بوك وتويتر واليوتيوب , لهذا ورغم مرور 10 ايام لم يبرز على الساحة من يتكلم بلسان الشباب كواحد منهم  .. لانهم ببساطة لم يصنعوا هذا الشخص ولم يتسلق واحد منهم على اكتافهم كزعيم ..، وهذا  هو محور وسر غرابة التركيبة الفكرية لهذه الثورة ..، والتى احدثت ما  احدثت بدون ترتيب مسبق .., كما انى اود ان اقول انها ليست كثورة تونس الشقيقة من حيث المراحل والزمن .. من حيث المكان والامكانات .. من حيث العمل والاليات ..لم تكن ثورة شباب مصر منسوخة من الاخرين بقدر ما كانت ثورة  اللحظة والبساطة والعفوية 
اذاً نجحت ثورة الشباب بكل المقاييس .. ووصلنا الى مطالبنا بل الى اشياء لم يكن يفكر بها اى انسان على هذه الارض  , اذا ما الذى نراه الان  ..؟ ولماذا سقف المطالب  يرتفع يوماً بعد يوم  بل ساعة بعد ساعه  ..؟
ليس لدى ما يمكن ان اّوصف به الحال الا بكلمات قليلة لا تتعدى كلمتين  ..  انها ( صدمة الحرية )  نعم صدمة الحرية التى لم نتذوقها من قبل .. حرية الكلام  حرية التعبير  .. حرية الرأى  حرية التحرك  .. حرية تقرير  المصير .. حرية ابداء الرأى فى قضايا وطننا , انها حرية بلا  رقيب  بلا حدود  بلا حواجز او قيود  او متابعة وتتبع وملاحقة ومطاردة  وقمع من جهاز امنى او جهاز رقابى .. حرية بلا خوف  ..  بلا خوف  .. بلا خوف
صدمة الحرية اعترتنا  حتى انستنا انفسنا وغطت على كل احاسيسنا  وتملكت مشاعرنا  .. كلنا شعرنا بطعم جديد للوطن  , كلنا  احسسنا  بالقرب من هذه الارض كلنا عشنا حالة من النشوة  والفرحة  الغامرة التى اسكرتنا وانستنا كل همومنا وكل ما الم بنا  فى السنوات الخوالى , صدمة الحرية لها تأثير اقوى من اى مخدر  تأثير لا يضاهيه خمراً ولا مخدر .. ربما دخلنا فى نوعاً من الغيبوبة التى اذهلتنا عما نحن فيه وعما يحيط بهذا البلد
قبل ان ان ازف التهانى لبلدى ولنفسى  ونحن الان ننتظر فى الغد يوم طويل " جمعة الرحيل " اتمنى ان اقول للجميع  لكل من يقف فى صدارة المشهد او فى هامش الصورة  , اود ان اذكركم واذاكر نفسى  اود ان اقول لكم  (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)  وحافظوا على مصر حافظوا على وطنكم  ولا ننجرف خلف مشاعر غير حقيقة ونحن نعلم ان بيننا  من هو ليس منا  من هو يريد الدمار لهذا البلد
رفقاً بمصر ولنحافظ عليها









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات الواردة تعبر عن راى صاحبها .. ولايعنى نشرها اننا نتفق معها دائماً